الحلقة المفقودة

المصدر Aljazeera

مصطلح الحلقة المفقودة (The missing link) يشير إلى مرحلة ما بين القرد والإنسان، أو السلف المزعوم للبشرية، كما يؤمن به المصدقين بنظرية التطور البشري، وبالتالي يُكذبون فكرة وجود خالق أوجد البشر. ويُطلق عليها الحلقة المفقودة لعدم وجود أدلة تثبت حدوثها، أو وجود أدلة لكنها إما ضعيفة أو مزيفة.

إنسان النياندرتال

 في عام 1856م اكتشفت جمجمة في وادي نياندرتال (Neandertal Valley) شمال ألمانيا، الغريب والمحير في هذه الجمجمة أنها كانت أصلب من جماجم البشر اليوم، وأكبر عن حجم جماجمنا اليوم بقليل، قوس الحاجبين كان بارزًا فيها بشكل واضح، سُميت الجمجمة بإنسان النياندرتال (Neanderthal Man) نسبة إلى الوادي الذي اكتشفت فيه.

 صار تعريف إنسان النياندرتال أنه وباختصار الإنسان البدائي. ظهرت عدة نظريات عن هذا الاكتشاف فقد ذهب البعض إلى أنه كائن نصف إنسان ونصف وحش، وآخرون استدلوا عليها لاحقًا كدليل على تطور الإنسان من فصيلة القردة العليا مع انتشار نظرية التطور.

مع مرور الوقت اكتشفت قرابة 300 جمجمة مُشابهة لإنسان النياندرتال، بالإضافة إلى هياكل عظمية، وكان العمود الفقري للهياكل متقوسًا نحو الأمام، وقد فسروها كالتالي: القرود كانت تمشي على أربع (بظهر منحني)، والإنسان يمشي على اثنتين (بظهر مستقيم)، إذا لابد أن إنسان النياندرتال كان قردًا ذكيًا قد بدأ يمشي على اثنتين شيئًا فشيئًا (بظهر منحني) وقد تلاشى هذا الانحناء مع الوقت إلى أن أصبح يمشي (بظهر مستقيم).

صورة لإحدى جماجم إنسان النياندرتال، المصدر Wikipedia

هذا الاكتشاف ظهر قبل صدور كتاب أصل الأنواع لكاتبه شارلز داروين (Charles Robert Darwin) بثلاث سنوات، رُبط بين الاكتشاف ونظرية التطور فيما بعد لتعزيز نظرية تطور الإنسان، وإلى اليوم يُدرس هذا الاكتشاف (إنسان النياندرتال) في المدارس جنبًا إلى جنب مع نظرية التطور لتفسير وجود الإنسان دون التطرق إلى خالق أوجد البشر والمخلوقات.

كان موضوع إنسان النياندرتال غريبًا وأحاطت به هالة من الخيال العلمي وشغل الناس قرابة القرن ونصف القرن، فهذا الاكتشاف أصبح مدونًا في الكتب العلمية والمدرسية والأدبية وصارت تعرض في المتاحف والمسرحيات ولاحقًا صارت تُعرض في الأفلام السينمائية.

صورة غلاف فيلم إنسان النياندرتال – 1953م، المصدر IMDb

أما عن المجتمع العلمي فعند اكتشافهم هذه الجماجم والهياكل العظمية عرضوها على  تسعة رسامين ليتبين لهم الشكل التقريبي لهذا الكائن، وخرج كل رسام برسمة مغايرة للرسامين الآخرين.

صورة تخيلية لإنسان النياندرتال، المصدر Bright Hub

نشرت مجلة ساينس (Science) في عام 2010م، معلومة مفادها أن الحمض النووي للنياندرتال شبيه للحمض النووي البشري اليوم بنسبة 99.7%.

هنا يأتي كينت هوفيند (Kent Hovind) وهو ناقد للنظريات العلمية ليفسر لنا إنسان نياندرتال بتفسير مبسط، ألا وهو أن الجماجم تعود بالفعل لبشر، وأن بروز منطقة قوس الحاجب في الجمجمة يعود سببه إلى طول أعمار البشر سابقًا (والذي بدأ يتناقص منذ الطوفان في زمن النبي نوح عليه السلام)، فتنمو بعض الغضاريف والعظام مع مرور الزمان ومن بينها قوس الحاجب، ويفسر سبب انحناء الهياكل العظمية نحو الأمام إلى نفس السبب فمع طول عمر الإنسان فإن ظهره ينحني للأسفل تدريجيًا مسببًا تقوس في العمود الفقري، وليس كما فسره السابقون الذين ربطوا الاكتشاف بتطور القردة.

إنسان البلتداون – 1

ادعى تشارلز داوسون (Charles Dawson) أنه أُعطيّ جزء من جمجمة من قِبل عامل في منجم في منطقة بلتداون (Piltdown) عام 1908م، والذي ظنه العمال أنه قطعة جوز الهند في البداية، بعد عدة زيارات للمنجم اكتشف داوسون المزيد من بقايا الجمجمة، أخذ داوسون بقايا الجمجمة إلى آرثر سميث وود-وارد (Arthur Smith Woodward) وهو باحث مهتم بنظرية التطور ويعمل في القسم البيولوجي من المتحف البريطاني، وقاما معًا بعمل مسح بحثي في المنجم بحثًا عن المزيد من بقايا الجمجمة.

في اجتماع الجمعية الجيولوجية في لندن عام 1912م، قام داوسون بإعادة تركيب أجزاء الجمجمة، وسماها إنسان البلتداون (The Piltdown Man) على اسم المنطقة التي وجدت فيها الجمجمة، وبعدها أعلن وود-وارد أن إعادة بناء الأجزاء يشير إلى تشابه في أكثر من ناحية مع الإنسان المعاصر باستثناء القفا (مؤخرة الرأس) وباستثناء حجم الدماغ والذي كان يقارب ثلثي حجم دماغ الإنسان المعاصر، ثم أشار إلى أنه باستثناء ضرسين يشبهان أضراس البشر فإن عظم الفك لا يمكن تفريقه عن عظم فك الشمبانزي.

صورة جمجمة إنسان بلتداون، المصدر BBC World Service

أتى هذا الاكتشاف بعد 30 سنة من وفاة عالم التاريخ الطبيعي شارلز داروين (Charles Robert Darwin)، وبعد 53 سنة منذ صدور كتابه أصل الأنواع، ويعتبر اكتشاف إنسان البلتداون هو الاكتشاف الأمثل للسلف المزعوم للإنسان أو ما يسمى بالحلقة المفقودة، فبناءً على إعادة تركيب الجمجمة في المتحف الطبيعي البريطاني افترض وود-وارد أن إنسان بلتداون يمثل الحلقة المفقودة في تطور قرد الشمبانزي إلى إنسان.

حظي إنسان بلتداون بحفاوة بالغة ويرجع ذلك لعدة أسباب منها أن عمر هذه الجمجمة التقريبي وشكلها الفريد يُجيب عن الأسئلة المتعلقة بأصل الإنسان، واعتبره أنصار نظرية التطور كدليل على تطور الأنواع، وأيضًا حقيقة أن هذا الاكتشاف يزيد الفخر القومي والثقافي البريطاني لكون أول حلقة مفقودة في نظرية التطور من اكتشاف بريطاني ولعب هذا دورًا في القبول السهل للجمجمة دون نقد وفحص الأدلة من العلماء البريطانيين، والعديد من الأسباب الأخرى الثانوية التي أدت لقبول هذا الاكتشاف.

إنسان البلتداون – 2

بعد ثلاث سنوات من تصريحه باكتشاف إنسان بلتداون –أي في عام 1915 م-، صرح داوسون باكتشاف جديد وهو عبارة عن ثلاث قطع عظمية لجمجمة أخرى أسماها بلتداون 2، عثر عليها في موقع جديد يبعد 3 كيلومترات عن الاكتشاف الأول.

خرجت العديد من الرسومات والمنحوتات والمقالات التي كان أساسها الجمجمة التي اكتشفها داوسون، لكن مع مرور الوقت رفض الكثير من العلماء هذه القصة واعتبروها تزييفًا علميًا بناءً على عدة حقائق.

بدأت حملة التشكيك بجمجمة إنسان البلتداون عندما قام ديفد واترسون (David Waterston) بنشر مقال في مجلة نيتشر سنة 1913م يقول فيها أن العينة المكتشفة ما هي إلا فك قرد وجمجمة بشرية، وقال عالم الآثار مارسلين بولي (Marcellin Boule) بنفس هذا الاستنتاج في عام 1915م، وبالمثل نشر جيريت سميث ميلر (Gerrit Smith Miller) بحثًا بعنوان (فك إنسان البلتداون – 1915م) خلصت نتائجه إلى أن بقايا الجمجمة جمعت بشكل مزاجي وأنها لا تتوافق مع بعضها، وفي عام 1923م فحص عالم التشريح فرانز فايدرينريتش (Franz Weidenreich) البقايا الموجودة وقدم تقريرًا يقول فيها بأن البقايا عبارة عن جمجمة بشرية حديثة وفك قرد من نوع أورانغتان وأن سن الناب الذي حُشر في الفك عليه آثار المِبرد وأنه ليس جزءًا من الفك.

بقي إنسان البلتداون بين التصديق والتكذيب وبعد 41 عامًا من ادعاء داوسون –أي سنة 1953م-، نشرت مجلة التايم (Time) مقالًا علميًا عمل عليها كل من كينيث بيج أواكلي (Kenneth Page Oakley)، جوزيف وينر (Joseph Weiner)، وويلفريد لي غروس كلاك (Wilfrid Le Gros Clark) يثبت أن إنسان البلتداون مجرد تزييف علمي وأنه خليط من جمجمة لإنسان من العصور الوسطى وفك قرد الأورنتغان وسِن لشمبانزي، وأن العظام نُقع بمحاليل لتظهر بشكل أقدم مما هي عليه، ولاحظوا آثار مِبرد على سن الشمبانزي.

استمرت الأبحاث حول أدلة تزوير جمجمة إنسان بلتداون والدواعي التي قادت لهذا الفعل المشين، وكانت خلاصة الأبحاث أن تشارلز داوسون، بالإضافة إلى وود-وارد، وبالتعاون مع آخرين مثل بيري تيلهارد دي شاردين (Pierre Teilhard de Chardin) المختص بعلم الحفريات والذي ثبت تورطه في عمليات تزوير سابقًا، قاموا بتزوير تلك الجمجمة وأنها لم تكن المرة الأولى لبعضهم.

الذين دعموا هذا التزوير هم في المقام الأول أشخاص وجِهات يخدُمون نظرية التطور وتخدِمهم، وباحثين عن المال والشهرة، ولم يكن إنسان البلتداون الأول ولا الأخير ضمن الحفريات المزورة، فهذا المجال مليء بالمحتالين.

إنسان نبراسكا

إنسان نبراسكا (Nebraska Man) مثال آخر على الزيف الذي حصل في نفس الفترة. ففي عام 1917م، عثر الجيولوجي هارولد كوك (Harold Cook) على ضرس في ولاية نبراسكا، وفي سنة 1922م أُعلن عن هذا الاكتشاف عن طريق هنري ف. أوسبرن (Henry Fairfield Osborn) مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، وبناءً عليه خرجت نظريات عديدة وخرجت مقالات ورسومات عديدة تتصور شكل إنسان نبراسكا.

اعترض السياسي والباحث المناهض لنظرية التطور ويليام جيننقز بريان (William Jennings Bryan) على هذه الاستنتاجات المبنية على ضرس واحد، ما عرضه للانتقاد بشدة.

صورة تخيلية لإنسان نبراسكا مع زوجته، المصدر Talk Origins Archive

عدة اكتشافات وتجارب لاحقة أثبتت أن هذا الضرس يعود لنوع من الخنازير وأنه لا صلة له بالإنسان ولا بالقرد! وأخيرًا في عام 1927م كُتب مقال في مجلة ساينس (Science) بعنوان: (الهسبيروبايثيكوس: يظهر أنه ليس قردًا ولا إنسانًا)، مما وضع أنصار نظرية التطور في موقفٍ حرج واضطروا بعدها لإزالة وإتلاف الكثير من المواد المتعلقة بإنسان نبراسكا!

العديد من الأشخاص لن تؤنبهم ضمائرهم عند تزييف أحافير وأبحاث، طالما أنه يجني من وراء هذا التزوير على المديح والمناصب الرفيعة في البلاط العلمي الذي سيفتح عليه أبواب الدعم المالي، المجد وتخليد أسماءهم في التاريخ.

كل هذا ما هو إلا جزء يسير مما يمارسه المسترزقون من الأحافير والآثار.

المصادر

محاضرة “جنة عدن”، علم الخلق ضد التطور، المُبشر كينت هوفيند، الدقيقة 57:10

seminar “The Garden of Eden”, Creation Science Vs. Evolution – the evangelist Kent Hovind, 57:10

اترك تعليقًا