صدر وثائقي في عام 2010م، بعنوان مؤامرة المصباح الكهربائي: التقادم المخطط (planned obsolescence :the lightbulb conspiracy) استعرض قيام الشركات الكبرى في شتى المجالات على إغراق السوق بمنتجات ذات جودة متدنية وعمر افتراضي قصير, بدلًا من إنتاج معتدل بجودة أعلى وعمر افتراضي طويل الأجل.
تبدأ القصة في عام 1924م عندما اجتمعت كبرى شركات إنتاج المصابيح الكهربائية ووقعوا على اتفاقية لتقليل العمر الافتراضي لساعات عمل المصابيح من 2500 ساعة إلى 1000 ساعة فقط، وتقسيم السوق العالمي بينهم، السبب الأول لتلك الاتفاقية هو أن هذه الخطة ستزيد من مبيعات شركات المصابيح. في السنة التالية من هذا الاجتماع كُونت لجنة للعمل على تحقيق هذا الهدف، وشيئًا فشيئًا قُلص العمر الافتراضي للمصابيح، إلى أن تحققت أهداف الاتفاقية. لكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية توقف العمل على الاتفاقية فيما بين الشركات إلا أن الشركات استمرت في انتاج المصابيح الكهربائية بعمر 1000 ساعة.
المؤسف أن العديد من الشركات لاحقًا اتّبعوا نفس الفكرة وسميت هذه الفكرة بالتقادم المخطط، فتنتج الشركات منتجات تعطب بعد فترة من الاستخدام لكي يضطر المستهلك لشراء نفس المنتج أو النسخة المستحدثة منه بشكل مستمر.
المصباح المئوي
المصباح الموجود بأحد محطات الإطفاء بمدينة ليفيرموري التابعة لولاية كاليفورنيا خرقت حاجز الأعمار الافتراضية للمصابيح الكهربائية، فقد تخطى عمرها القرن وهي ما زالت تضيء منذ عام 1901م، ذلك المصباح من صناعة شركة شيلبي (Shelby)، وتعمل لمدة 24 ساعة يوميًا ولم تُطفأ إلا سويعات بسيطة، وقد سجلت في موسوعة غينيس كأقدم مصباح كهربائي مُعمر.
هذا المصباح الكهربائي يعمل بشكل متواصل لأكثر من مليون ساعة لكنه لم يعطب، ألا تظن أن التقنية اليوم يجب أن توفر لنا اختراعات بمثل هذه الجودة أو أفضل منها؟!
جوارب لا تتلف
الجوارب النسائية تعتبر مثال على التقادم المخطط، فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين صممت شركة دوبونت (DuPont) جوارب نسائية مصنوعة من النايلون، كانت شهرة هذا الجوارب أنها لا تتلف! ففي فيديو ترويجي يقوم شخص باختبار قوة تحمل الجورب عن طريق سحب سيارة باستخدامها، وفيديو آخر أنتجته بريتش باثي (British Pathé) يعود لعام 1956م، يقوم شخص برفع أثقال باستخدام جورب النايلون، ويمرر شوكة طعام عليه إلا أن الجورب بقي سليمًا، ثم قام بتجربة سحب سيارة لعدة أمتار واجتاز الجورب جميع التجارب بنجاح.
كانت النساء سعيدات بهذا الجورب والشركة أيضًا كانت سعيدة؛ فالإقبال على المنتج كان قويًا. مع مرور الوقت، قلّ مدخول الشركة بشكل كبير، وتبين أن ذلك يعود إلى أن المستهلكين يشترون حاجتهم لمرة واحدة فقط ثم لا يعودون بحاجة لشراء المنتج مرة أخرى؛ فتغيرت سياسة دوبونت بعدها وطلبت من خبراءها تقليل جودة المنتج لكي تستمر إنتاجية الشركة وأرباحها.
الأجهزة الإلكترونية
عرض وثائقي مؤامرة المصباح الكهربائي: التقادم المخطط، قصة ماركوس (Marcos) الذي تعطلت آلة الطابعة الخاصة به، وعندما زار محلات إلكترونية لإصلاحها اقترحوا عليه استبدالها بواحدة جديدة؛ فشراء آلة طابعة جديدة تكلفتها أقل من الصيانة. لكنه قرر إصلاحها بنفسه، فبدأ البحث على الانترنت عن طريقة لإصلاح الطابعة ووجد فيديو لشخص واجه نفس المشكلة لكنه قام بإصلاح المشكلة بنفسه فتواصل ماركوس مع صاحب الفيديو وشرح له صاحب الفيديو المشكلة وطريقة اصلاحها ثم عقّب أن المشكلة أكبر من هذا فأعتقد أن التقنية اليوم صممت لكيلا تدوم! قرر ماركوس قراءة تعليمات الطابعة والتعليمات تقول بشكل واضح أن مدة صلاحية الطابعة 5 سنوات ومعدل الطبع قبل انتهاء صلاحية الطابعة هو 18 ألف صفحة.
ومعدل الطبع يتم ضبطه في المصنع عن طريق وضع شريحة تسمى EEPROM تقوم بحساب عدد الصفحات المطبوعة وعند وصولها التي برمجت الطابعة عليه تتوقف عن العمل، ولإعادة استخدام الطابعة يجب إعادة ضبط هذه الشريحة، قام ماركوس بتثبيت برنامج على حاسوبه الشخصي يقوم بإعادة ضبط الشريحة، وبعدها عادت الطابعة للعمل!
ما قد يفعله أي إنسان عادي إذا ما وجهته نفس مشكلة ماركوس أنه سيشتري جهازًا جديدًا لأنه أقل تكلفة ويعتبر حل سريع، وآخرون قد يفضلون صيانة الجهاز المعطوب وهذا سيكلفهم وقتًا وثمنًا باهضًا، وما فعله ماركوس كان عملًا رائعًا لم يقم به الكثير من الناس فقد بحث عن طريقة لإعادة آلة الطابعة للحياة من جديد، لكن هذا ليس حلًا فعالًا، فيجب أن يتصدى أحدهم لهذه الشركات ويبين سلبيات هذه الأجهزة أو يقاضي الشركات ويلزمها بتعويضات أو يلزمها بزيادة العمر الافتراضي للأجهزة.
استعرض الوثائقي قصة الأخوين نيستات (The Neistat Brothers) حيث اشتري كيسي (Casey) آيبود بنحو من 400 دولار، وبعد سنة انتهت صلاحية البطارية، وعندما اتصل بخدمة العملاء من شركة آبل المُصنعة أخبروه أن “قيمة البطارية تساوي تقريبًا قيمة الآيبود الجديد وأنه من الأفضل أن يشتري آيبود جديد بدلًا من أن يبدل البطارية”! فشعر بغضب لأنه من الغير منطقي أن تشتري جهازًا ثمينًا ثم يتبين لك أن الشركة لا توفر لك قطع غيار بأسعار معقولة بل يقنعونك بشراء جهاز جديد.
فما كان من الأخوين نيستات إلا أن انطلقا في الشوارع بحثًا عن إعلانات آيبود ليضعا عليها عبارة (بطارية الآيبود غير قابلة للاستبدال، وصلاحيتها 18 شهرًا فقط) وصوروا فيديو لهم وهم يضعون العبارة على إعلانات آيبود، فاستقطب الفيديو ملايين المشاهدات.
شخص آخر يدعى أندرو ويستلي (Andrew Westley) رفع قضية على شركة آبل لنفس السبب وقد شاهدت المحامية فيديو الأخوين حول بطارية الآيبود وحصلت على الكثير من الملفات والبيانات المتعلقة بتصنيع واختبار بطاريات الآيبود، تقول المحامية أن خلاصة قراءتها للملفات أن البطاريات صُممت لكيلا تدوم.
في الأخير توصل الطرفان إلى تسوية حيث قررت شركة آبل أن تقوم بخدمة تبديل البطاريات، وتمديد عمر البطارية الافتراضي إلى سنتين.
اليوم الكثير من الشكاوى على الانترنت تقول بأن شركة آبل تبطئ سرعة أجهزتها القديمة فور إصدارها جهازًا جديدًا عن طريق التحديثات، ما أدى لاستياء مجموعة كبيرة من المستخدمين، وآخرين قرروا بالفعل مقاضاة الشركة اقتداءً بالشاب أندرو ويستلي.
الوثائقي تطرق أيضًا للمشاكل الناتجة عن التقادم المخطط، فالكثير من الأجهزة الإلكترونية التي يتم الاستغناء عنها يتم التخلص منها في أراضِ أفريقية واسعة، ما يسبب تدمير النظام البيئي وزيادة نسبة التلوث.
