أثناء الحرب العالمية الثانية، كان الطفل اليهودي هيرمان روزنبلات (Herman Rosenblat) معتقلًا في إحدى مخيمات الاعتقال النازية، وبعد أن فُصل عن والدته نُقِل هو وإخوته لمخيّم آخر.
في يوم من الأيام بينما كان يتضور جوعًا وينظر بيأس من خلال سياج مخيم الاعتقال، لمح فتاة تجلس تحت شجرة وتنظر إليه، اقتربت منه الفتاة منه وهي مشفقة على حاله وكان بيدها تفاحة فألقتها إليه من فوق السياج، الفتاة تدعى روما (Roma) ذات التسع سنوات، وهي من عائلة يهودية لكن لحساسية الوضع آن ذاك ادّعت عائلتها أنهم مسيحيين حتى لا يزج بهم في مخيمات الاعتقال النازية.
على كل حال، جاءت روما في اليوم التالي وهي تخفي تحت معطفها الخبز والتفاح لتقذف بهم إلى روزنبلات، وكأنها تخبره بألا يقلق وأنها ستعتني بمعدته الخاوية، دارت الأيام وتكررت اللقاءات لمدة سبعة أشهر، إلى أن نُقل روزنبلات إلى مخيّم آخر وكانوا على وشك إعدامه إلا أنه في نهاية المطاف أفرج عنه هو وأيتام آخرون مع انتهاء ويلات الحرب العالمية الثانية.
نُقل الأيتام إلى المملكة المتحدة وبقي روزنبلات فيها 4 سنوات، ثم استقر أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية ليؤسس حياته، وقد تزوج ثلاث مرات لكن لم يُقدّر لأي من تلك الزيجات الاستمرار.
رتب له أحد الأصدقاء موعد تعارف عشوائي، حيث يلتقي شخصان لأول مرة عن طريق طرف ثالث، التقى حينها بروما صديقة الطفولة (التي انتقلت أيضًا إلى أمريكا) حيث تعرف عليها فورًا، ما اعتبره روزنبلات معجزة وليست مصادفة، وبعد فترة وجيزة من لم الشمل تزوجا في عام 1957م.
نشر روزنبلات قصتهما لأول مرة عام 1996م، ومن هنا بدأت أضواء الشُهرة تلاحقهما، ولكن..
اختراع القصة.. مطلع تسعينيات القرن العشرين كان صعبًا على روزنبلات فقد كان يعاني مشاكل ضريبية وقتها بالإضافة إلى تعرض عائلته للسطو المسلح في عام 1992م أصيب فيها روزنبلات بجروح خطيرة وأصيب ابنه بجروح جعلته مقعدًا، أثناء تلقيه العلاج قام روزنبلات بتأليف قصته الخيالية التي مزجت بين آلام اليتم ومآسي الحرب وأهوال مخيمات الاعتقال النازية والنجاة من المذبحة وبالتأكيد حب الطفولة روما ولم شملهما مرة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم ادّعى أن أمه المتوفاة ظهرت له وأخبرته أن يروي قصته للعالم.
التسويق للقصة.. بدايةً، كانت قصته حول معانات في المخيم ونجاته من الهولوكوست، تغيرت القصة لاحقًا لتصبح قصة عاطفية، من أجل المشاركة بها في مسابقة لقصص الحب في البرنامج التلفزيوني أوبرا وينفري (Oprah Winfrey)، فازت قصته بالمسابقة وحصلت على اهتمام القائمين على البرنامج، وقالت المذيعة أوبرا أن قصة روزنبلات وزوجته “إنها أعظم قصة حب على الإطلاق عرضناها في هذا البرنامج”. استُقبل روزنبلات وزوجته روما في البرنامج مرتين، مرة في عام 1996م والأخرى عام 2007م.
أصداء القصة.. أثارت القصة ضجة في الأوساط الإعلامية وكانت حديث الناس، لدرجة أن القصة صارت فصلًا في إحدى الكتب المدرسية كمادة للقراءة!
أصدرت مجموعة ليرنر للنشر (Lerner Publishing Group) نسخة من القصة مخصصة للأطفال بعنوان الفتاة الملاك (Angel Girl) بمشاركة الكاتبة لوري ب. فريدمان (Laurie B. Friedman) والرسامة أوفرا أميت (Ofra Amit) طبع الكتاب في سبتمبر 2008م. كما وقع روزنبلات اتفاقية مع بيركلي للنشر (Berkley Books) لإصدار مُذكراته تحت اسم ملاك على السياج (Angel at the Fence) في يوم الحب بتاريخ 3 فبراير 2009م. وفي يناير 2009م قامت يورك هاوس بريس (York House Press) بنشر القصة في كتاب التفاحة: بناءً على قصة الحب الهولوكوستية لهيرمان روزنبلات (The Apple: Based on the Herman Rosenblat Holocaust Love Story). وقد عزم المنتج هاريس سالومون (Harris Salomon) لإنتاج فيلم باسم زهرة السياج (The Flower of The Fence) بتكلفة 25 مليون دولار! كان من المقرر تصويره عام 2011م إلا أنه تراجع لاحقًا.
شكوك حول القصة.. القصة العاطفية التي لامست مشاعر الناس لم تمر مرور الكرام عل المؤرخين والباحثين، فالعديد منهم لاحظ وجود ثغرات كثيرة في القصة، ثغرات توحي باستحالة حدوثها.
فمخيّم الاعتقال الذي يقول روزنبلات أنه كان حبيسًا فيها، كانت ذات حراسة مشددة، وقد كانت بعيدة عن الأحياء السكنية، بالإضافة إلى أن المؤرخ اليهودي كين والتزر (Ken Waltzer) اكتشف أن روما زوجة روزنبلات كانت في صغرها تسكن على بعد أكثر من 340 كيلومتر عن مخيّم الاعتقال.
وأخيرًا وليس آخرًا، ادّعى بأنه كان من المقرر إعدامه في غُرف الغاز الخانقة في الساعة العاشرة من تاريخ 10 مايو من عام 1945م، وأنه أطلق سراحه قبل الإعدام بساعتين، والحقيقة أن الحرب انتهت قبل هذا التاريخ بيومين، وأن هذا المخيّم تم تسليمه للصليب الأحمر قبل انتهاء الحرب بأسبوع، وبشهادة يهود نجوا من الإعدام أنه لا يُخطر أي شخص بموعد إعدامه، والأهم من ذلك كله هو عدم وجود غُرف إعدام بالغاز في هذا المخيّم!
في 25 ديسمبر 2008م، نشرت مجلة نيو ريببلك الأميركية مقالات نقدية للقصة، بالاستعانة بأفراد أسرة روزنبلات الذين اكدوا أن القصة من وحي الخيال، ما أثار ضجة إعلامية مرة أخرى لكن هذه المرة كان الإعلام يكتب إنتقادات لاذعة لروزنبلات بعدما كانوا يسطرون له عبارات التعاطف سابقًا وبخجل اعترف روزنبلات بتاربخ 27 ديسمبر 2008م، بعدم مصداقية القصة وأنه في مخيلته كان يؤمن بحدوثها!
اتضح لاحقًا أنه كانت هنالك خصومة بين روزنبلات وشقيقه بسبب استمراره في الكذب، بالإضافة إلى أن العديد من أفراد عائلة روزنبلات ومن بينهم ابنه، كانوا يشعرون بالضيق من تلك القصة.
أما عن تداعيات الاعتراف.. حينما علمت بيكر للنشر أن هناك أنباء عن كون القصة مفبركة قامت بإلغاء اتفاقية طباعة كتاب ملاك على السياج. وكذلك بالنسبة لدار ليرنر للنشر التي أوقفت طباعة كتاب الفتاة الملاك الذي بيعَ وسُوِّق له على أنه مبني على قصة حقيقية وقالت إنها ستتقبل إعادة الأموال لكل من أراد استرجاع نسخة من الكتاب، بالإضافة إلى أن الفيلم الذي كان بصدد إنتاجه ألغي.
يقول والترز: ” كان من المثير للقلق أن القليل من الناس قد لاحظوا واستفسروا عن الثغرات الواضحة في تاريخه على مدى عقد من الزمان”، والترز ألقى باللوم على من سماهم صُناع الثقافة، الذين لم يبحثوا أو يستفسروا في مصداقية القصة وتوافقها مع أحداث الحرب، وأنهم لو فعلوا ذلك لما خسروا مصداقيتهم كمؤثرين ودور نشر وصُناع أفلام.
تسابق الإعلام لنشر قصة لم يتحققوا من مصداقيتها، وظلت الكذبة تنتشر وتأسر قلوب الناس على مدى أكثر من عقد من الزمان، إلى أن اعترف روزنبلات باستحياء وتحت ضغط الإعلام على أنه لفق القصة متوهمًا حدوثها!
